نبذة من سيرة حياة الإمام القائد (دام ظله)
ولد سماحة آية الله العظمى الحاج السيّد علي الحسيني الخامنئي (دام ظله الشريف) عام 1939م في مدينة مشهد المقدّسة في عائلة علمائيّة مرموقة.
والده هو آية الله الحاج السيّد جواد، من علماء ومجتهدي مشهد المرموقين، كان من المبلّغين البارزين.
والدته هي كريمة حجّة الإسلام السيد هاشم نجف آبادي من علماء مشهد المعروفين.
سماحة الإمام الخامنئي متزوّج وله ستّة أبناء.
طفولته
يقول سماحته:
(قضيت طفولتي في عسرة شديدة بحيث لم نكن نتمكّن من أكل خبز الحنطة، وكنّا عادة نأكل خبز الشعير، أتذكّر أننا في بعض ليالي طفولتي لم يكن لدينا في البيت طعام نأكله للعشاء، كانت والدتي تأخذ النقود التي كانت جدّتي تعطيها لي أو لأحد إخواني أو أخواتي أحياناً، وتشتري بها الحليب أو الزبيب لنأكله مع الخبز.
كانت مساحة بيتنا الذي وُلِدْتُ وقضيت حوالي خمس سنوات من عمري فيه بين 60 و 70 متراً في حي فقير بمشهد، وفيه غرفة واحدة وسردابٌ مُظلم وضيق.
عندما كان يحلّ علينا ضيف، (وبما أن والدي كان عالم دين يراجعه الناس في شؤونهم، فقد كان دائم الضيوف)، كان علينا الذهاب إلى السرداب إلى أن يذهب الضيف، بعد فترة من الزمن، اشترى بعض المحبّين لوالدي قطعة أرض بجوارنا وألحقوها ببيتنا، فاتّسع البيت ليصبح ثلاث غرف.
لم يكن ملبسنا في حال أفضل من ذلك، فقد كانت والدتي تخيط لنا من ملابس والدي القديمة شيئاً عجيباً وغريباً، كان لباساً طويلاً يصل إلى أسفل الركبة ويحتوي على عدّة وصلات بالطبع، يجب أن أشير إلى أن والدي لم يكن ليستبدل ملابسه بهذه السرعة، وأذكر على سبيل المثال أنّه كانت لديه جُبّة (لباس عالم الدين) لبسها ما يقارب الأربعين عاماً).
دراسته:
التحق الإمام الخامنئي (دام ظله) ولم يتجاوز عمره الخمس سنوات – مع أخيه الأكبر السيّد محمّد بالكُتَّاب لتعلّم القرآن، وبعد مدّة تمّ إرسالهما معاً إلى مدرسة دينيّة ابتدائيّة هي (دار التعليم الديني).
وبعد أن أكمل سماحته المرحلة الابتدائية في هذه المدرسة، التحق بالدراسة المسائية في المدرسة الحكوميّة – بدون علم والده – وحصل على الشهادة المتوسطة، ثمّ حصل على الشهادة الثانويّة خفيةً خلال عامين.
حضر سماحته درس الشرائع عند والده، وبعدها التحق بمدرسة نَوّاب للعلوم الدينيّة وأكمل السطوح هناك، ثمّ حضر البحث الخارج عند المرحوم آية الله العظمى الميلاني (قده)، ومن المعروف أنَّ بلوغ الطالب في الحوزة العلميّة مرحلة البحث الخارج في سنّ السادسة عشرة أمر نادر الحصول، يرى سماحته أن الفضل فيه يرجع إلى اهتمام وعناية والده.
يقول سماحته: (لقد كان والدي العامل الرئيسي في اختياري طريق العلم النيّر والعلماء، فهو من شجَّعني على ذلك.. وقبل ذهابي إلى قم.
حضرت – علاوة على دراستي عند والدي – الدروس العامّة في مشهد. في العطلة الصيفية كان والدي يضع لنا برنامجاً دراسيّاً ويقوم شخصياً بتدريسنا، ولهذا السبب لم تكن دراستي تتوقّف.. بخلاف الذين كانوا يدرسون في الحوزات العامّة التي كانت تعطّل في شهري محرّم وصفر، وشهر رمضان المبارك، وفي العطلة الصيفيّة أيضاً، ولذلك نهيت دروس السطوح جميعها وشرعت بالبحث وأنا في السادسة عشرة من عمري).
تدرسيه سماحة آية الله العظمى الخامنئي (دام ظله) حديثه فيقول: (عندما كنت مقيماً في مشهد، قمت بتدريس الصرف والنحو والمعاني والبيان والأصول والفقه، وفي قم أيضاً كنت أشتغل بالتدريس إلى جانب دراستي.
بعد عودتي من قم إلى مشهد عام 1964م، كان التدريس أحد برامجي الرئيسيّة والدائمة.
وطوال هذه السنات حتّى عام 1977م، قمت بتدريس السطوح العليا (المكاسب والكفاية) والتفسير والعقائد.
أساتذته:
(درست كتابي (الأنموذج والصمدية) عند الشيخ علوي نامي الذي كان بدوره يتابع دراسته العصرية في مجال الطب، ثمّ درست كتاب شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي (رضوان الله تعالى عليه) عند والدي، ودرست عنده أيضاً ما يقرب من ثلاثة أرباع كتاب شرح اللُّمعة، وأتممت ما تبقّى منه عند المرحوم ميرزا أحمد مُدرِّس اليزدي وبعد ذلك حضرت درسَي المكاسب والرسائل عند المرحوم الحاج آية الله الشيخ هاشم القزويني (رضوان الله عليه) وبذلك تكون مدّة دراستي من اللحظة الأولى التي بدأت فيها طلبّ العلم حتّى بداية مرحلة البحث الخارج خمس سنوات ونصف، أي أنّني أنهيت السطوح خلال خمس سنوات ونصف.
بدأت حضور البحث الخارج عند المرحوم آية الله العظمى الميلاني (رضوان الله عليه)، وحضرت البحث الخارج أيضاً عند آية الله الحاج الشيخ هاشم القزويني (رضوان الله عليه).
وحضرت درس الفلسفة عند آية الله الميرزا جواد الطهراني، ثمّ شرعت بحضور درس المنظومة عند (الشيخ رضا إيسمي).
بعد ذلك ذهبت إلى النجف وحضت دروس الآيات العظام الحكيم والخوئي والشاهرودي والميرزا باقر الزنجاني والمرحوم ميرزا حسن اليزدي والسيد يحيى اليزدي، وفي كلّ الأماكن التي كان يوجد فيها درس.
من بين كلّ هذه الدروس، ارتحت كثيراً لدرس آية الله الحكيم لأسلوبه السلس وآرائه الفقهيّة المتقنة، وكذلك أيضاً درس آية الله ميرزا حسن البجنوردي الذي كان يدرّس في مسجد الطوسي.
لم يوافق والدي على بقائي في النجف، فعدت إلى مشهد، وبعد مدّة توجّهت إلى قم.
حضرت درس الإمام ثم درس آية الله الحاج الشيخ مرتضى الحائري، وكذلك درس آية الله العظمى البرودردي، ومن بين كلّ تلك الدروس، كنت أُشارك في درس الأصول للإمام بصورة مستمرّة، أما في الفلسفة فقد استفدت من درس السيّد الطباطبائي في قسم من الأسفار وقسم من الشفاء.
هذا وقد حصل سماحته على رتبة الاجتهاد على يد أستاذه آية الله العظمى الحائري عام 1974م بعد حضوره البحث الخارج أكثر من خمسة عشر عاماً.
مؤلفاته:
بلغ عدد مؤلّفات سماحة القائد المفدَّى ما يقارب الأربعين، أهمّها:
1- كتاب الجهاد (تقريرات البحث الخارج لسماحته).
2- الإيمان.
3- النبوة.
4- الإمامة.
5- آلام الإمام علي (ع) وآلامنا.
6- القرآن والعترة.
7- من أعماق الصلاة.
8- الحياة السياسية للإمام الصادق (ع).
9- عنصر الجهاد في حياة الأئمة (ع).
10- بحث في الصبر.
11- دروس في القرآن.
12- ترجمة كتاب (المستقبل لهذا الدين).
13- الحكومة في الإسلام.
14- قبس من نهج البلاغة.
15- الشخصية السياسية للإمام الرضا (ع).
16- جهاد الإمام السجاد (ع).
ولسماحته كتابان من الأسئلة والأجوبة الفقهيّة تحت عنوان (أجوبة الاستفتاءات).
والجدير ذكره أن سماحة القائد (دام ظله) يجيد عدّة لغات، ولديه إلمام واسع، بالشعر والأدب.
جهاده:
في العام 1962م واستجابةً لنداء إمام الأمة (رضوان الله عليه)، تحرّكت الحوزة العلمية في قم ضدّ الشاه، وساد الحوزة التي تشكّل مركز العلم والتقوى والجهاد والشهادة، أجواء حماسيّة مميزّة، وكان لسماحة آية الله العظمى الخامنئي (دام ظله) دور بناء وعظيم في هذا المجال.
فإلى جانب نشاطاته في قم، وثَّق علاقاته بالعلماء والطلبة في مشهد، وكانت نشاطاته مؤثرة وملفتة إلى حد أنّ الإمام أرسله سنة 1963م، إلى مشهد لإيصال ثلاثة نداءات تتعلّق بشهر محرم المصيري الذي وقعت فيه انتفاضة 15 خرداد الشهيرة، وكان سماحته أثناء سفره ينقل عبر المنبر، جوانب من هذه النداءات إلى أبناء الشعب القاطنين في المدن التي يمرّ فيها وهو في طريقه، فاستطاع بعمله هذا أن ينثر بذور الثورة في كلّ مكان.
كان لسماحته أيضاً دور مميّز في مدينة بيرجند التي كانت مركز قوّة وسيطرة للنظام ومقاطعت لـ (أسد الله علم) (رئيس الوزراء آنذاك).
ارتقى آية الله العظمى الخامنئي المنبر في مدينة بيرجند في اليوم الثالث من شهر محرّم وعمل على توعية الناس وإشعال فتيل الثورة في السابع من شهر محرّم، وبحضور جمع غفير من الناس، قام سماحته بسرد أحداث الفيضيّة بطريقة حماسيّة وبيانٍ جذّاب، فأجهش الناس بالبكاء.
في التاسع من محرّم، وبعد أن ألقى سماحته خطاباً حماسيّاً حرّض فيه أهالي المدينة على النظام، تعامل النظام مع سماحته بعنف ووحشيّة لم يسبق أن عومل العلماء بها من قبل، سُلِّم في البداية للسافاك، ثم نُقل إلى سجن خرب في (دِجبان) لا تتوفر فيه أدنى الوسائل الأوليّة للسجن، وهدّدوه بحلق لحيته بالموس، ثم غيّروا رأيهم فقصّروها بماكينة حلاقة.
يقول سماحته حول هذا الموضوع: (بعد هذا الفعل (تقصير لحيتي) وعندما ذهبت لأغسل وجهي، جاءني ملازم متكبّر مغرور وبدأ بالاستهزاء والقهقهة، وقال، أرأيت كيف حلقت لحيتك؟ قال له بِسَكينةٍ: بل لم يكن سيّئاً فإنّني لم أرَ ذقني من منذ فترة طويلة).
ثمّ أجبروا سماحته على العمل في المعسكر وأعطوه عربة لنقل الآجُر ومِعوًلاً ومسحاة لحفر الأرض وتسطيحها وأجبروه على قطع الأعشاب بيديه.
وقد تحدّث سماحته بعد خروجه من السجن عن تلك التجربة قائلاً: (لم يكن السجن سيّئاً، كانت تجربة جديدة وعالماً آخر مع السافاك، ومع التحقيقات والعذابات والأوقات المريرة والإهانات الشديدة، وخلاصة القول، مع آلام الكفاح).
شهرين في السجن (1963)
اعتُقل سماحته في كرمان بعد إلقائه خُطبة في غاية الصراحة، ونقله السافاك إلى معسكر سلطنة آباد في طهران، ثم نُقِل في اليوم التالي إلى سجن (قِزِلْ قلعة) المشهور حيث تمارس أبشع أنواع التعذيب، ليقضي شهرين بين سجن إفرادي وإهانات شديدة، وتهديد بالقتل والتعذيب البشع وسائر المصاعب، وعلى الرغم من كلّ ذلك، كان أوّل عمل أقدم عليه هذا العالم المجاهد بعد إطلاق سراحه هو الذهاب لمقابلة الإمام (رضوان الله عليه) في منزل الواقع في منطقة (قيطرية) والذي كان في الحقيقة سجناً محترماً، وقد وُفِّق فعلاً لمقابلته (رضوان الله عليه) لمدّة ساعة برفقة الشهيد السيد مصطفى الخميني.
قال سماحته عن هذا اللقاء: (لقد أذهب التعب من جسمي، كنت مشغوفاً إلى حدّ أنّني كنت أبكي، فلاطفني كثيراً، وقلت لسماحته: بسب غيابك، لم نستفد من شهر رمضان كما ينبغي، لذلك يجب علينا أن نفكّر في محرّم القادم من الآن).
اعتقال آخر:
بعد عودته إلى مشهد علم السافاك باستئنافه النشاط من جديد، فاعتقلوه مرّة أخرى في أوائل عام 1967م بذريعة كتاب (المستقبل لهذا الدين)، ولكنّه وبتأييد من الله تمكَّن من خداع السافاك والصمود أمام الضغوط والتعذيب، ولم يتمكنوا من تحصيل أيّة معلومات منه.
ولد سماحة آية الله العظمى الحاج السيّد علي الحسيني الخامنئي (دام ظله الشريف) عام 1939م في مدينة مشهد المقدّسة في عائلة علمائيّة مرموقة.
والده هو آية الله الحاج السيّد جواد، من علماء ومجتهدي مشهد المرموقين، كان من المبلّغين البارزين.
والدته هي كريمة حجّة الإسلام السيد هاشم نجف آبادي من علماء مشهد المعروفين.
سماحة الإمام الخامنئي متزوّج وله ستّة أبناء.
طفولته
يقول سماحته:
(قضيت طفولتي في عسرة شديدة بحيث لم نكن نتمكّن من أكل خبز الحنطة، وكنّا عادة نأكل خبز الشعير، أتذكّر أننا في بعض ليالي طفولتي لم يكن لدينا في البيت طعام نأكله للعشاء، كانت والدتي تأخذ النقود التي كانت جدّتي تعطيها لي أو لأحد إخواني أو أخواتي أحياناً، وتشتري بها الحليب أو الزبيب لنأكله مع الخبز.
كانت مساحة بيتنا الذي وُلِدْتُ وقضيت حوالي خمس سنوات من عمري فيه بين 60 و 70 متراً في حي فقير بمشهد، وفيه غرفة واحدة وسردابٌ مُظلم وضيق.
عندما كان يحلّ علينا ضيف، (وبما أن والدي كان عالم دين يراجعه الناس في شؤونهم، فقد كان دائم الضيوف)، كان علينا الذهاب إلى السرداب إلى أن يذهب الضيف، بعد فترة من الزمن، اشترى بعض المحبّين لوالدي قطعة أرض بجوارنا وألحقوها ببيتنا، فاتّسع البيت ليصبح ثلاث غرف.
لم يكن ملبسنا في حال أفضل من ذلك، فقد كانت والدتي تخيط لنا من ملابس والدي القديمة شيئاً عجيباً وغريباً، كان لباساً طويلاً يصل إلى أسفل الركبة ويحتوي على عدّة وصلات بالطبع، يجب أن أشير إلى أن والدي لم يكن ليستبدل ملابسه بهذه السرعة، وأذكر على سبيل المثال أنّه كانت لديه جُبّة (لباس عالم الدين) لبسها ما يقارب الأربعين عاماً).
دراسته:
التحق الإمام الخامنئي (دام ظله) ولم يتجاوز عمره الخمس سنوات – مع أخيه الأكبر السيّد محمّد بالكُتَّاب لتعلّم القرآن، وبعد مدّة تمّ إرسالهما معاً إلى مدرسة دينيّة ابتدائيّة هي (دار التعليم الديني).
وبعد أن أكمل سماحته المرحلة الابتدائية في هذه المدرسة، التحق بالدراسة المسائية في المدرسة الحكوميّة – بدون علم والده – وحصل على الشهادة المتوسطة، ثمّ حصل على الشهادة الثانويّة خفيةً خلال عامين.
حضر سماحته درس الشرائع عند والده، وبعدها التحق بمدرسة نَوّاب للعلوم الدينيّة وأكمل السطوح هناك، ثمّ حضر البحث الخارج عند المرحوم آية الله العظمى الميلاني (قده)، ومن المعروف أنَّ بلوغ الطالب في الحوزة العلميّة مرحلة البحث الخارج في سنّ السادسة عشرة أمر نادر الحصول، يرى سماحته أن الفضل فيه يرجع إلى اهتمام وعناية والده.
يقول سماحته: (لقد كان والدي العامل الرئيسي في اختياري طريق العلم النيّر والعلماء، فهو من شجَّعني على ذلك.. وقبل ذهابي إلى قم.
حضرت – علاوة على دراستي عند والدي – الدروس العامّة في مشهد. في العطلة الصيفية كان والدي يضع لنا برنامجاً دراسيّاً ويقوم شخصياً بتدريسنا، ولهذا السبب لم تكن دراستي تتوقّف.. بخلاف الذين كانوا يدرسون في الحوزات العامّة التي كانت تعطّل في شهري محرّم وصفر، وشهر رمضان المبارك، وفي العطلة الصيفيّة أيضاً، ولذلك نهيت دروس السطوح جميعها وشرعت بالبحث وأنا في السادسة عشرة من عمري).
تدرسيه سماحة آية الله العظمى الخامنئي (دام ظله) حديثه فيقول: (عندما كنت مقيماً في مشهد، قمت بتدريس الصرف والنحو والمعاني والبيان والأصول والفقه، وفي قم أيضاً كنت أشتغل بالتدريس إلى جانب دراستي.
بعد عودتي من قم إلى مشهد عام 1964م، كان التدريس أحد برامجي الرئيسيّة والدائمة.
وطوال هذه السنات حتّى عام 1977م، قمت بتدريس السطوح العليا (المكاسب والكفاية) والتفسير والعقائد.
أساتذته:
(درست كتابي (الأنموذج والصمدية) عند الشيخ علوي نامي الذي كان بدوره يتابع دراسته العصرية في مجال الطب، ثمّ درست كتاب شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي (رضوان الله تعالى عليه) عند والدي، ودرست عنده أيضاً ما يقرب من ثلاثة أرباع كتاب شرح اللُّمعة، وأتممت ما تبقّى منه عند المرحوم ميرزا أحمد مُدرِّس اليزدي وبعد ذلك حضرت درسَي المكاسب والرسائل عند المرحوم الحاج آية الله الشيخ هاشم القزويني (رضوان الله عليه) وبذلك تكون مدّة دراستي من اللحظة الأولى التي بدأت فيها طلبّ العلم حتّى بداية مرحلة البحث الخارج خمس سنوات ونصف، أي أنّني أنهيت السطوح خلال خمس سنوات ونصف.
بدأت حضور البحث الخارج عند المرحوم آية الله العظمى الميلاني (رضوان الله عليه)، وحضرت البحث الخارج أيضاً عند آية الله الحاج الشيخ هاشم القزويني (رضوان الله عليه).
وحضرت درس الفلسفة عند آية الله الميرزا جواد الطهراني، ثمّ شرعت بحضور درس المنظومة عند (الشيخ رضا إيسمي).
بعد ذلك ذهبت إلى النجف وحضت دروس الآيات العظام الحكيم والخوئي والشاهرودي والميرزا باقر الزنجاني والمرحوم ميرزا حسن اليزدي والسيد يحيى اليزدي، وفي كلّ الأماكن التي كان يوجد فيها درس.
من بين كلّ هذه الدروس، ارتحت كثيراً لدرس آية الله الحكيم لأسلوبه السلس وآرائه الفقهيّة المتقنة، وكذلك أيضاً درس آية الله ميرزا حسن البجنوردي الذي كان يدرّس في مسجد الطوسي.
لم يوافق والدي على بقائي في النجف، فعدت إلى مشهد، وبعد مدّة توجّهت إلى قم.
حضرت درس الإمام ثم درس آية الله الحاج الشيخ مرتضى الحائري، وكذلك درس آية الله العظمى البرودردي، ومن بين كلّ تلك الدروس، كنت أُشارك في درس الأصول للإمام بصورة مستمرّة، أما في الفلسفة فقد استفدت من درس السيّد الطباطبائي في قسم من الأسفار وقسم من الشفاء.
هذا وقد حصل سماحته على رتبة الاجتهاد على يد أستاذه آية الله العظمى الحائري عام 1974م بعد حضوره البحث الخارج أكثر من خمسة عشر عاماً.
مؤلفاته:
بلغ عدد مؤلّفات سماحة القائد المفدَّى ما يقارب الأربعين، أهمّها:
1- كتاب الجهاد (تقريرات البحث الخارج لسماحته).
2- الإيمان.
3- النبوة.
4- الإمامة.
5- آلام الإمام علي (ع) وآلامنا.
6- القرآن والعترة.
7- من أعماق الصلاة.
8- الحياة السياسية للإمام الصادق (ع).
9- عنصر الجهاد في حياة الأئمة (ع).
10- بحث في الصبر.
11- دروس في القرآن.
12- ترجمة كتاب (المستقبل لهذا الدين).
13- الحكومة في الإسلام.
14- قبس من نهج البلاغة.
15- الشخصية السياسية للإمام الرضا (ع).
16- جهاد الإمام السجاد (ع).
ولسماحته كتابان من الأسئلة والأجوبة الفقهيّة تحت عنوان (أجوبة الاستفتاءات).
والجدير ذكره أن سماحة القائد (دام ظله) يجيد عدّة لغات، ولديه إلمام واسع، بالشعر والأدب.
جهاده:
في العام 1962م واستجابةً لنداء إمام الأمة (رضوان الله عليه)، تحرّكت الحوزة العلمية في قم ضدّ الشاه، وساد الحوزة التي تشكّل مركز العلم والتقوى والجهاد والشهادة، أجواء حماسيّة مميزّة، وكان لسماحة آية الله العظمى الخامنئي (دام ظله) دور بناء وعظيم في هذا المجال.
فإلى جانب نشاطاته في قم، وثَّق علاقاته بالعلماء والطلبة في مشهد، وكانت نشاطاته مؤثرة وملفتة إلى حد أنّ الإمام أرسله سنة 1963م، إلى مشهد لإيصال ثلاثة نداءات تتعلّق بشهر محرم المصيري الذي وقعت فيه انتفاضة 15 خرداد الشهيرة، وكان سماحته أثناء سفره ينقل عبر المنبر، جوانب من هذه النداءات إلى أبناء الشعب القاطنين في المدن التي يمرّ فيها وهو في طريقه، فاستطاع بعمله هذا أن ينثر بذور الثورة في كلّ مكان.
كان لسماحته أيضاً دور مميّز في مدينة بيرجند التي كانت مركز قوّة وسيطرة للنظام ومقاطعت لـ (أسد الله علم) (رئيس الوزراء آنذاك).
ارتقى آية الله العظمى الخامنئي المنبر في مدينة بيرجند في اليوم الثالث من شهر محرّم وعمل على توعية الناس وإشعال فتيل الثورة في السابع من شهر محرّم، وبحضور جمع غفير من الناس، قام سماحته بسرد أحداث الفيضيّة بطريقة حماسيّة وبيانٍ جذّاب، فأجهش الناس بالبكاء.
في التاسع من محرّم، وبعد أن ألقى سماحته خطاباً حماسيّاً حرّض فيه أهالي المدينة على النظام، تعامل النظام مع سماحته بعنف ووحشيّة لم يسبق أن عومل العلماء بها من قبل، سُلِّم في البداية للسافاك، ثم نُقل إلى سجن خرب في (دِجبان) لا تتوفر فيه أدنى الوسائل الأوليّة للسجن، وهدّدوه بحلق لحيته بالموس، ثم غيّروا رأيهم فقصّروها بماكينة حلاقة.
يقول سماحته حول هذا الموضوع: (بعد هذا الفعل (تقصير لحيتي) وعندما ذهبت لأغسل وجهي، جاءني ملازم متكبّر مغرور وبدأ بالاستهزاء والقهقهة، وقال، أرأيت كيف حلقت لحيتك؟ قال له بِسَكينةٍ: بل لم يكن سيّئاً فإنّني لم أرَ ذقني من منذ فترة طويلة).
ثمّ أجبروا سماحته على العمل في المعسكر وأعطوه عربة لنقل الآجُر ومِعوًلاً ومسحاة لحفر الأرض وتسطيحها وأجبروه على قطع الأعشاب بيديه.
وقد تحدّث سماحته بعد خروجه من السجن عن تلك التجربة قائلاً: (لم يكن السجن سيّئاً، كانت تجربة جديدة وعالماً آخر مع السافاك، ومع التحقيقات والعذابات والأوقات المريرة والإهانات الشديدة، وخلاصة القول، مع آلام الكفاح).
شهرين في السجن (1963)
اعتُقل سماحته في كرمان بعد إلقائه خُطبة في غاية الصراحة، ونقله السافاك إلى معسكر سلطنة آباد في طهران، ثم نُقِل في اليوم التالي إلى سجن (قِزِلْ قلعة) المشهور حيث تمارس أبشع أنواع التعذيب، ليقضي شهرين بين سجن إفرادي وإهانات شديدة، وتهديد بالقتل والتعذيب البشع وسائر المصاعب، وعلى الرغم من كلّ ذلك، كان أوّل عمل أقدم عليه هذا العالم المجاهد بعد إطلاق سراحه هو الذهاب لمقابلة الإمام (رضوان الله عليه) في منزل الواقع في منطقة (قيطرية) والذي كان في الحقيقة سجناً محترماً، وقد وُفِّق فعلاً لمقابلته (رضوان الله عليه) لمدّة ساعة برفقة الشهيد السيد مصطفى الخميني.
قال سماحته عن هذا اللقاء: (لقد أذهب التعب من جسمي، كنت مشغوفاً إلى حدّ أنّني كنت أبكي، فلاطفني كثيراً، وقلت لسماحته: بسب غيابك، لم نستفد من شهر رمضان كما ينبغي، لذلك يجب علينا أن نفكّر في محرّم القادم من الآن).
اعتقال آخر:
بعد عودته إلى مشهد علم السافاك باستئنافه النشاط من جديد، فاعتقلوه مرّة أخرى في أوائل عام 1967م بذريعة كتاب (المستقبل لهذا الدين)، ولكنّه وبتأييد من الله تمكَّن من خداع السافاك والصمود أمام الضغوط والتعذيب، ولم يتمكنوا من تحصيل أيّة معلومات منه.